لكل مجتمع من المجتمعات سماته وعاداته المميزة له، وتلك السمات تنبعث أحيانـًا من التمسك بالقيم والثوابت الدينية، وأحيانـًا من العادات والتقاليد المتوارثة، ولكن في ظل النظام العالمي الجديد تشابهت المجتمعات وتوحدت العادات، وما عدت قادرًا على التمييز بين شرقي وغربي في ملبسه أو مأكله على الأقل، ففي معظم عواصم العالم تجد فروعـًا لمحلات (فاست فود)، حيث تقدم الوجبات السريعة لمرتاديها مثل (الهامبورجر) و(ماكدونالدز) و(بورجركينج) و(كنتاكي).
وتعج تلك المطاعم بعملائها من الفتيان والفتيات في مختلف الأعمار إضافة إلى الأسر التي تغادر المنزل عن بكرة أبيها كي تتناول وجبة شهية من (فاست فود)، ومن المشاهد المألوفة أيضـًا رؤيتك للسيارات المتراصة على جانبي الطريق تنتظر الحصول على طلبها لتتناوله في السيارة أو في مكان آخر بعيدًا عن الزحام. أما عن العاملين فإنك تراهم في حركة دءوبة إيابـًا وذهابـًا، ولا يكادون يوفون بمتطلبات عملائهم نظرًا للإقبال الشديد.
كل تلك الظواهر التي ذكرناها تنم عن مدى افتتان الناس بهذا النوع من الطعام وتلذذهم بتناوله، وعلى غرار مقولة: (ليس كل ما يلمع ذهبـًا)، نقول ليس كل ما يستقطب الزبائن صحيـًا ومفيدًا، أو ليست حلاوة الطعم دليلًا على جودة الأكل، وسوف نبرهن على ذلك.
وقد أثير هذا الموضوع من قبل ونوقش من الناحيتين الشرعية والأخلاقية، فمن الناحية الشرعية تلك اللحوم ليست معلومة المصدر، ونحن لا ندري كيف ذبحت، ولمن أُهلَّ بها، لذا يجب أن نأخذ بالأحوط ونتقي الشبهات، حتى لا نقع في محظور، ومن الناحية الأخلاقية فما هي إلا تقليد أعمى للغرب في عادات لا طائل منها.
وإذا كان الجانبان الشرعي والأخلاقي غير كفيلين بزجر الناس فلندعمهما بالجانب الصحي حتى تكتمل الأبعاد الثلاثة أملًا في أن تجد الدعوة صداها لدى مرتادي تلك المحلات، وقد قمت بترجمة أحد المقالات التي تلقي الضوء على خطورة هذا النوع من الأطعمة.
فبينما كان الصحفي الأمريكي (إيريك سكلوسر) يعد كتابـًا بعنوان (أمة فاست فود)، وفي طريقه للبحث عن المعلومات التي تعضد آراءه، اكتشف هذا الصحفي حقائق تبدو مفجعة لكثير من مدمني (فاست فود)ـ إن صح التعبير ـ، وقد كان الرجل دقيقـًا وموضوعيـًا في استقائه للمعلومات، ومن ثم فقد أمضى حوالي سنتين تحدث خلالهما إلى عدد كبير من المزارعين ورجال المجازر باعتبارهم الموردين للدجاج واللحوم، وتحدث أيضـًا إلى العلماء الذين يقومون بإعداد المواد المضافة إلى تلك اللحوم حتى تضفي على الأطعمة تلك النكهة التي تعد وسيلة الجذب الأولى للقاصي والداني في كافة ربع المعمورة.
وقد كشف هذا الصحفي النقاب عن سلسلة من التجاوزات التي تثير الاشمئزاز ولا يتوقعها أحد، فالطعام الرئيسي الذي تتغذى عليه الماشية التي تورد لحومها لمحلات (الفاست فود) عبارة عن لحم قطط وكلاب ميتة يتم شراؤها من ملاجئ الحيوانات، ولحوم عالقة بها آثار من المخلفات الحيوانية (الروث).
* هل تصدقنا حاسة التذوق: وجبة تحتوي على عشرات المواد الكيميائية
ويشير (سكلوسر) إلى أن حاسة التذوق لدينا تعد مصفاة ومقياسًا ندرك من خلاله مدى صلاحية الأطعمة من حيث جودتها ورداءتها، وبحاسة التذوق يتم انتقاء الطعام المفضل، أما مع (فاست فود) فالأمر ليس كذلك، فصناعة (الفاست فود) تقوم على إضفاء المذاق الصناعي للأطعمة بوضع بعض مكسبات الطعم التي تعد خليطـًا من مواد ومركبات كيميائية لو علمنا حقيقتها لقمنا بلفظها بدلًا من ابتلاعها بتلذذ واستمتاع.
وبذلك فإن ما يحدث أشبه بخدعة لحاسة التذوق عندنا؛ فرائحة الطعام وطعمه ينمان عن جودته، ولكن هذا يكون صحيحـًا إذا كان ذلك الطعم وتلك الرائحة ينبعثان من الطعام ذاته، فالحقيقة أنهما يأتيان من المواد الاصطناعية المضافة.
أما عن الطعام وحقيقته فتعف النفس عن تناوله لو بقي على حاله دون إضافات، ولا يقتصر الأمر على الرائحة والطعم بل هناك مكسبات لون تضاف إلى الأطعمة المصنعة كي تبدو طازجة وجذابة، و(ماكدونالدز) و(وينديز) و(بورجركينج) تستخدم تلك المواد الملونة وتضعها على الصلصات المختلفة والمشروبات الباردة والبهارات وأطباق الدجاج … إلخ.
وما لا يعلمه أحد أن الكثير من المواد الكيميائية المستخدمة في تلوين الطعام هي نفسها التي تستخدم في صناعة مواد التجميل.
ويذكر (سكلوسر) أن بعض الحلويات غالبـًا ما تغطى بطبقة خارجية بيضاء تعطيها شكلًا جذابـًا، وقد ثبت أن (ثاني أكسيد التيتانيوم) هو الذي يضفي ذلك اللون الأبيض على تلك الحلويات، علمـًا بأن (ثاني أكسيد التيتانيوم) هو أحد المركبات التي تدخل في صناعة مواد التجميل، والأغرب من ذلك أنه مادة صبغية توضع في الأصباغ البيضاء.
أما عن مكسبات الطعم والنكهة، فإن عصير الفراولة الممزوج باللبن خير دليل على ذلك، فهذا المشروب الذي تقدمه محلات (بورجر كينج) يحتوي على 49 مركبـًا كيميائيـًا بدءًا من زيت الليمون، وزيت الكونياك، وانتهاءً بأسيتات النشا التي تعد خليطـًا من الخل ونشا الكحول وحمض الكبريتيك، والمشروب له نفس مذاق الفراولة، لكنه وبكل تأكيد ليس مستخلصـًا من الفراولة كما يعتقد الجميع.
ويقول (سكلوسر) إن الكثير من أطباق (الفاست فود) ذائعة الصيت ليست كما تبدو في شكلها وطعمها، بل تخفى عنا حقيقتها، فلعقود مضت كانت (ماكدونالدز) تطهي المقليات الفرنسية في خليط يحتوي على (7%) من زيت بذرة القطن، و(93%) من الشحم البقري، وهذا الخليط يمنح المقليات طعمها الفريد، لكن الشحم البقري يوجد بتشبع وعلى نحو يفوق (بورجر الماكدونالدز) في كل أوقية.
وبعد النقد الذي تعرضت له (ماكدونالدز) عام 1990م من قبل الجماعة الصحية من جراء تلك الخلطة قررت استخدام زيت نباتي نقي، إلا أنها ما زالت مستمرة في إضافة ما تسميه (النكهة الطبيعية)، وتلك النكهة عبارة عن مركب غامض صرحت مؤخرًا بأنه ربما يحتوي على منتجات حيوانية.
* الأطفال أول المتضررين من الوجبات السريعة:
ويعكس إقبال الأطفال الأمريكيين على هذا النوع من الطعام مدى الأثر الذي تتركه تلك الأطعمة على متناوليها، فالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والسادسة عشرة يأكلون (بورجر) أكثر من أي شخص آخر بمعدل ست مرات في الأسبوع، وعلى هذا فليس من قبيل المصادفة أن يرتفع معدل السمنة بين الأمريكيين بنسبة (42%) منذ عام 1980م.
ويذكر (سكلوسر) أن ثلث الشعب الأمريكي يأكل (هامبورجر) يوميًّا، الأمر الذي يجعل ثلث الشعب يعاني من زيادة الوزن، وهذه النسبة تزايدت بصورة كبيرة خلال الربع الأخير من القرن العشرين، ويرجع ذلك إلى زيادة الإقبال على الـ(فاست فود)، على أن هذا لا يعني أن خطورة (فاست فود) قاصرة على الأمريكيين فقط، بل تتعداهم إلى غيرهم ممن يتناولون نفس الأطعمة، ولأن الولايات المتحدة هي البلد الناشط في إجراء الاستطلاعات والدراسات، لذا يمكننا الاعتماد على تلك الإحصاءات في التدليل على خطورة تلك الأطعمة.
وليست المحتويات الدهنية وحدها هي التي تسبب أضرارًا للمستهلك، فوفقـًا لما ذكره (سكلوسر) فإن التكلفة العالية للعلف الطبيعي الذي يحتوي على أعشاب وحبوب دفعت مربي الماشية للبحث عن علف آخر يكون أقل تكلفة، وأصبح العلف الجديد الرخيص الذي تطعمه الماشية عبارة عن لحوم وعظام مفرومة ومواد أخرى لاحتوائها على نسبة عالية من البروتين، وبذلك تزيد سرعة النمو ويزيد الربح.
وإذا كان النظام الغذائي والبيئة المحيطة للحيوان غير طبيعيين، فإن حالة الحيوان تسوء ويصبح عرضة للأمراض التي تؤثر على من يتناول تلك اللحوم.
وقد ذكر أحد المسئولين الذين تحدث إليهم الكاتب أن ثمة مقارنة بين الوضع الصحي للمعالف اليوم، وبين الوضع الصحي العام في المدينة الأوروبية في العصور الوسطى، عندما كان الناس يقضون حوائجهم ويلقون بها من النوافذ، مما جعل الطرقات أشبه بمنطقة للصرف الصحي، وكانت النتيجة انتشار الأمراض والأوبئة، وكذلك الأمر بالنسبة للماشية الآن؛ حيث تحشر في المعالف دون الاهتمام بنظافتها، فيعيش الحيوان في برك من الروث والمخلفات الحيوانية، وتلك البيئة تجعله أكثر عرضة للأمراض والأوبئة.
المجازر تعج بالميكروبات الملوثة:
وقد عبر (سكلوسر) عن انزعاجه عند زيارته لبعض المجازر حيث تذبح الماشية، فهناك ترى الضغط الهائل على العاملين، فمنذ عشرين عامـًا كان مصنع (موفورت) في (جريلي) بولاية (كولورادو) يقوم بذبح حوالي (175) رأسـًا في الساعة، أما في التسعينيات فأصبح العدد الذي يذبح حوالي (400) رأس في الساعة الواحدة، أي ما يعادل (6) رءوس في الدقيقة، ومما لا شك فيه أن العجلة في هذا الأمر تزيد من مخاطر التلوث.
ولاحظ (سكلوسر) أيضـًا أن أمعاء الحيوانات ما زالت تسحب باليد، وإذا لم يتم ذلك الأمر بعناية بالغة فإن محتويات الجهاز الهضمي عند الحيوان تتناثر في كل مكان.
ولأن العاملين في ضغط دائم، فإن السرعة هي السمة الغالبة على طريقتهم في العمل، وهذا يجعل نسبة الأخطاء أكثر حدوثـًا وربمـًا تتضاعف الأضرار المترتبة على خطأ واحد.
فعلى سبيل المثال يجب أن يتم تنظيف وتطهير السكاكين كل بضع دقائق، وهذا الأمر غالبـًا ما ينساه العاملون وهم منهمكون في العمل.
وقد صدرت دراسة عام 1996م عن وزارة الزراعة الأمريكية كشفت عن عدة حقائق من بينها أن عينات اللحوم المفرومة التي أخذت من مصانع الأغذية كانت ملوثة بالعديد من الميكروبات، مثل (السالمونيلا) وغيرها، وأظهرت نفس الدراسة أن (78. 6%) من الميكروبات الملوِّثة للحم المفروم تنتشر أساسـًا بسبب المخلفات الحيوانية.
وبعد أن علمنا ـ كما يذكر (سكلوسر) ـ أن اللحوم المفرومة على سبيل المثال، والتي تعتبر جزءًا من طعام الـ (فاست فود) ملوثة بالعديد من الميكروبات وبنسب متفاوتة، فلا عجب إن علمنا أن مائتي ألف أميركي يصابون يوميـًا بالتسمم الغذائي ويموت منهم أربعة، ولا عجب أيضـًا إن علمنا أن الكثير من العاملين في الـ(فاست فود) يرفضون تناول أي شيء في المطاعم التي يعملون فيها إلا إذا قاموا بإعداده بأنفسهم.
وقبل أن يكتب (سكلوسر) كتابه كان من المقبلين بشغف على تناول (الهامبورجر)، حيث يقول: (لقد قضيت فترة طويلة من حياتي وأنا أتناول هذه الأنواع من الأطعمة، وأشجع أطفالي على تناولها، ولم يكن عندي أدنى فكرة عن مصدر هذا الطعام وكيف يصنع، بالرغم من أنني أعتبر نفسي شخصـًا مثقفًا ومتعلمـًا)، ولكنه الآن لم يعد يأكل الـ (فاست فود)، أو يسمح لأفراد عائلته بتناوله.
فعسانا جميعـًا بعد أن نتدبر الأمر ونعيه أن نتخذ نفس القرار ونقلع عن تناول هذه الأطعمة
ونقول في نهاية الأمر إنه بسبب الجشع والرغبة اللانهائية في الربح خرج مربو الماشية عن الفطرة وأطعموها علفـًا حيوانيًّا يحتوي على لحوم وعظام مفرومة، بدلًا من العلف النباتي الذي يحتوي على أعشاب وحبوب، وأيضـًا أصحاب المجازر لا يفكرون في تنظيف وتطهير أدواتهم، مما ينتج عنه نقل العديد من الميكروبات التي تؤثر على صحة الإنسان.
وفي دول أوروبا وأمريكا يهيمن شعار زيادة الإنتاج على الجميع ويهيمن شعار الربح السريع على السوق، وهذا كله يقود إلى مائدة طعام طبقها الرئيسي هو المرض، وأحيانـًا يكون الموت، لذا يجب علينا ألا نسعى لتقليد الغرب في كل الأمور حتى لا نسقط ضحايا لجشعهم وفساد ضمائرهم، ونقع في براثن عاداتهم الضارة.
حقائق:
- يتناول الفرد الأمريكي ما متوسطه ثلاثة سندوتشات بورجر وأربعة من المقليات الفرنسية أسبوعيـًا.
- في إحصاء أخير اتضح أن (ماكدونالدز) تملك ثلاثة وعشرين ألف مطعم في مائة وعشرين دولة حول العالم.
- ينفق الأميركيون سنويـًا حوالي مائة وعشرين مليارًا في تناول (البورجر) والـ (هوت دوجز) و(البيتزا)، وتلك النسبة أكثر مما ينفق على الكليات وأجهزة الكمبيوتر.
- تشتري بريطانيا (فاست فود) أكثر من أي بلد أوروبي آخر؛ حيث تنفق على الـ (فاست فود) سبعة ملايين جنيه إسترليني أسبوعيًّا، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في ارتفاع نسبة السمنة.
- واحد من كل ثمانية أمريكيين يعمل لدى محلات (ماكدونالدز) في إحدى فترات حياته.
- قام فرنسي بتحطيم زجاج أحد محلات (كنتاكي) فاعتبروه بطلًا قوميـًّا.
- ثبت علميًّا أن مكسبات اللون والطعم الاصطناعيين من الأسباب الرئيسية للإصابة بالسرطان.
إعداد وترجمة: أحمد الشاهد.
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.